فقه أحكام التعزية

عُمَرْ

عضو مميز
إنضم
20 نوفمبر 2018
المشاركات
1.167
مستوى التفاعل
2.924
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده حبيبنا وقدوتنا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وسلم
أما بعد،
فمن المهم على المسلم أن يعلم ويتفقه في أحكام التعزية اجمالا وتفصيلا، فالتعزية من مصدر عزى اي إذا صبر المصاب وواساه.
الموسوعة الفقهية(287/12)
وقد شرعت لما فيها من حكم منها تهوين المصيبة على المعزى وتسليته عنها وحضه على التزام الصبر واحتسابه الأجر والرضا بالقدر والتسليم لأمر الله تعالى. والدعاء بأن يعوضه الله تعالى عن مصابه جزيل الثواب. والدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له.(راجع حاشية الصاوي.561/1).

لم يصح حديث خاص في فضل التعزية ،أما حديث:
"ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة، إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة".(رواه ابن ماجة 1601) فقد حسنه الألباني، والحقيقة أنه حديث ضعيف فيه قيس والد عمارة، ضعيف الحديث، جاء في التهذيب: "ذكره العقيلى في الضعفاء وأورد له حديثين، و قال : لا يتابع عليهما . أحدهما الذي أخرجه ابن ماجة في التعزية بالميت".406/8). وهي سنة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ويستحب تعزية جميع أهل المصيبة، كبارهم وصغارهم، ويخص خيارهم، والمنظور إليه من بينهم، ليستن به غيره، وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة، لحاجته إليها.(المغني.405/2).

أما تعزية الرجل للمرأة، فكره جمهور الفقهاء تعزية الشابة لا العجوز، قال سحنون:"ولا تعزى المرأة الشابة وتعزى المتجالة[العجوز]، وتركه أحسن".(مواهب الجليل.230/2).
والراجح أن الأمر يرجع لأمن الفتنة، فإن أمنت جاز وإلا مُنع، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:"مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري".(البخاري.1283.مسلم.926).

وذهب بعضهم للمنع من التعزية في المرأة واستثنى بعضهم الأم، وكل هذا لا يصح، والراجح أنه يعزى في كل مصاب، قال في المدخل:"وينبغي أن يعزى الرجل في صديقه؛ لأنه من المصائب، وكذلك يعزى الرجل في زوجته الصالحة، لأنها من المصائب".(مواهب الجليل.231/2).

وتشرع أيضا تعزية العاصي، ويكون هذا تأليفا لقلبه، ولربما كان سببا في هدايته، وحبه لأهل الاستقامة، قال أبو داود قلت لأحمد: " أرى الرجل قد شق على الميت، أعزيه؟ قال: لا يترك حق لباطل".(مسائل الإمام أحمد.ص:190). فالأمر يرجع للمصلحة وتقديرها.

وتعزية من مات في معصية مشروعة كالمنتحر أو من أقيم عليه حد ولا دليل يمنع.

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المستحب كون التعزية بعد الدفن، وذلك لانشغال أهل الميت بالتغسيل والدفن.. فيكون الوقت المناسب تعزيتهم بعد الدفن. وقال الثوري لا يعزى بعد الدفن، لأن الدفن خاتمة أمره.(مواهب الجليل.230/2).
والراجح أن التعزية تكون قبل الدفن وبعده إذ الغرض منها تسلية المصاب وهي تحصل في الوقتين، بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عزى قبل الدفن، عن أسامة بن زيد، قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رسول إحدى بناته، يدعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى..".(البخاري.7377.مسلم.923).
وثبت عنه التعزية عند القبر كما في حديث المرأة المتقدم، وأيضا عزى بعد الدفن، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: "كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره، فيقعده بين يديه، فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مالي لا أرى فلانا ؟ قالوا: يا رسول الله، بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه..".(صحيح رواه النسائي.2088).

أما مدة التعزية، فجمهور الفقهاء: على أن مدة التعزية ثلاثة أيام. إلا إذا كان أحدهما (المعزى أو المعزي) غائبا، فلم يحضر إلا بعد الثلاثة، فإنه يعزيه بعدها واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ". (البخاري.1280.مسلم.1486) ثم تعزيته ستذكره بمصابه فتركها أولى.
وقيل لا حد لها متى لقيه عزاه، فعندما قتل جعفر بن أبي طالب: " فأمهل، ثم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم ادعوا إلي ابني أخي..".(صحيح رواه احمد.1749).

واختلفوا في حكم التعزية في المسجد، فقال قوم لا حرج في ذلك، واستدلوا بحديث عائشة قالت: " لما قتل زيد بن حارثة، وجعفر، وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المسجد يعرف في وجهه الحزن ".(صحيح رواه أبو داود.3122).

وقيل أن هذا محرم وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وجلس في المسجد لغرض التعزية وهو قول بعض المالكية.

واختلفوا في التعزية عند القبر، فقيل مكروهة كما عند الحنابلة، وقيل مباحة وهو مذهب المالكية وإن كان الأولى أن تكون في البيت قال النخعي: "كانوا يكرهون التعزية عند القبر قال ابن حبيب وذلك واسع في الدين، وأما في الأدب ففي المنزل" .(320/2).
والراجح الجواز فالأمر واسع وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث المرأة المتقدم.

ولم يرد لفظ خاص في التعزية، والمسلم يذكر ما يصلح للموقف، من دعاء وتذكير، قال ابن قدامة:"ولا نعلم في التعزية شيئا محدودا".(المغني.405/2).
لكن ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عزى بألفاظ منها : " لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى".(البخاري.7377.مسلم.923).
و:"اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه".(مسلم.920).
"اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه".(صحيح رواه احمد.1749).
أعظم الله أجرك على مصيبتك، وأحسن عزاك عنها، وعقباك منها، وغفر لميتك ورحمه، وجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج منه.

والسنة أن يصنع الجيران لأهل الميت الطعام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم أمر يشغلهم - أو أتاهم ما يشغلهم ".
(صحيح رواه احمد.1751). هذا إن خلا الأمر من منكرات، جاء في (البيان والتحصيل.228/2): سئل مالك عن أهل الميت هل يبعث إليهم بالطعام؟ فقال إني أكره المناحة، فإن كان هذا ليس منها فليبع.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن إرسال الطعام إلى أهل الميت لاشتغالهم بميتهم إذا لم يكونوا اجتمعوا لمناحة، من الفعل الحسن المرغب فيه المندوب إليه".

واختلفوا في المسلم يموت له شخص من أهله كافر، هل يعزى؟. قيل يعزى وهو قول الحنفية والشافعية وقول عن الحنابلة، وذهب مالك إلى المنع، جاء في الذخيرة: "قال مالك لا يعزى مسلم بابنه الكافر لقوله تعالى { ما لكم من ولايتهم من شيء }.(481/2).
والراجح جوازها، لأن التعزية بالميت تجمع ثلاثة أشياء أحدها تهوين المصيبة على المعزى وتسليته منها، وحثه على التزام الصبر واحتساب الأجر والرضا بقدر الله والتسليم لأمره. والثاني الدعاء بأن يعوضه الله من مصابه بنيل الثواب ويحسن له العقبى والمآب. والثالث الدعاء للميت فيعزى المسلم بأبيه الكافر للحض على الرضا بقدر الله والدعاء له، إذ لا يمنع أن يؤجر المسلم بموت أبيه الكافر إذا سلم لأمر الله ورضي بقضائه، وقد روي عن مالك أن للرجل أن يعزي جاره الكافر بموت أبيه الكافر لذمام الجوار . التاج والإكليل.38/3).

أما تعزية كافر في كافر، فمباحة على الراجح، شرط أن لا يكون هذا الكافر من المحاربين المعادين للدين، فيكون ذلك تأليفا لقلبه، ولا يكون في ذلك أي إذلال أو استصغار، قال ربنا: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }.
لكن يتجنب الألفاظ لتي فيها ترحم عليه أو دعاء له بمغفرة ونحوه.

وتحصل التعزية بالكتابة والمهاتفة وبالتوكيل أيضا، كقولك عزي عني فلانا، قال ابن مفلح: "ولم ير أحمد لمن جاءته التعزية في كتاب ردها كتابة بل يردها على الرسول لفظا". (الفروع.406/3).

ولا حرج في اجتماع رفقة والاتفاق على التعزية، عن عبد الله بن بريدة , عن أبيه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ بلغه وفاة ابن امرأة من الأنصار , فقام وقمنا معه". (حسن رواه البيهقي.93001).

واختلفوا في النعي، وهو خبر الموت، أو نداء الداعي، أو الدعاء بموت الميت والإشعار به.(الكويتية.375/40).
قال قوم هو حرام، فعن حذيفة بن اليمان قال: " إذا مت فلا تؤذنوا بي، إني أخاف أن يكون نعيا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي". (حسن رواه الترمذي.986).
وقال قوم بل هو مباح، فقد ثبت النعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات". (البخاري.1245.مسلم.951).
والراجح أن هذا يرجع للغرض وللمقصود منه، فما كان من نعي الجاهلية للتفاخر فهو محرم، أما مجرد الإخبار لحضور الصلاة أو إعلام الأهل فلا حرج. ويدخل في هذا ما يقع على مواقع التواصل الاجتماعي..

هذا والله أعلم.
 
بارك الله فيك و جعله في ميزان حسناتك
 
أعلى